السبت، 17 ديسمبر 2011

إيتالو كالفينو..

ولد الكاتب الإيطالي (إيتالو كالفينو) عام 1923 في كوبا، ثم عاد مع أسرته إلى إيطاليا وهو طفل صغير، وقام برحلات كثيرة إلى العديد من دول العالم في شبابه. ومع ذلك ظل المكان المحبب إليه هو إيطاليا، برغم حسه الإنساني بقيمة الحياة في كل مكان.
تخرج (كالفينو) من جامعة (فلورنسة) قسم الزراعة. وكان مهتما بالسياسة، فالتحق بالحزب الشيوعي الإيطالي، وعمل في صحيفة الحزب، وكان يكتب المقال السياسي إضافة إلى كتابته المقالات الأدبية، والثقافية عامة.
وقد ثبتت مكانة (كالفينو) كأهم أدباء ايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، ومازالت مكانته محفوظة حتى الآن كأحد أهم الأدباء الإيطاليين، ومن الأدباء المعروفين عالمياً.
توفي (كالفينو) عام 1985 تاركاً مجموعة من الأعمال التي ترجمت إلى معظم لغات العالم، ومنها العربية.
[كالفينو بين الصعوبة والسهولة]
الأعمال القصصية لـ (كالفينو) صدرت في أربعة مجلدات، أما المجلد الأول فمن جزأين، وقد قام بنقلهما عن الإيطالية مباشرة المترجم (معن مصطفى الحسون) المعروف بترجماته الراقية عن الأدب الإيطالي.
أما المجلدات الثلاثة المتبقية فحملت العناوين التالية: (الذاكرة الصعبة- الحب الصعب- الحياة الصعبة). ونلحظ ونحن نقرأ هذه العناوين إصرار (كالفينو) على استخدام مفردة (صعبـة) في المجلدات الأربعة التي ضمنها قصصه، في تصريح مباشر من المؤلف ذاته أن أعماله صعبة. وسبب ذلك أنه يرد على النقاد الذين وصفوا قصصه بأنها سهلة، وبسيطة.
يرى (كالفينو) أن النقد لم ينصفه، وظلم قصصه، لهذا يقول: (إن الحقيقة التي تبدو بسيطة ومباشرة في تلك الآونة التي كتبت فيها قصصي الأولى، ما تلبث أن تستحيل إلى حوت أبيض غامض). أي أن قصصه تحمل الكثير من الأشياء التي لم يرها النقاد، فقد مروا مروراً عابراً في تجربته القصصية، لهذا لم يفهموا تلك القصص.
[لعلها جولة صعبة]
إذا تركنا جانباً ما قاله النقاد عن قصص (كالفينو) وما قاله هو نفسه عن قصصه، وقرأنا القصص، نكتشف أن (كالفينو) كان يكتب بعفوية غير معنية بالتنظير، وصدق لا يأبه بالمقولة النخبوية، ويبتعد عن التكلف، معتمداً على أفكار واضحة، وأسلوب طيع رشيق. لهذا كانت قصصه قريبة من القارئ -حتى غير المثقف - فتلك القصص غير مثقلة بالرموز، ولا تتحمل التأويلات، إنها ببساطة تقدم حالة إنسانية في لحظة مكثفة تعكس فيها حياة بشرية كاملة، وهذا سر جمال قصص (كالفينو) الذي استطاع أن يضع بصمته الخاصة، في تاريخ القصة الإيطالية على الأقل، وحسبه هذا الإنجاز.
لاشك أننا بعد قراءة قصص (كالفينو) نكتشف عشقه للطبيعة بكل ما فيها من تفاصيل صغيرة، بل إن قصصه تنبهنا إلى جماليات لم نكن نأبه لها من قبل، وهذه الجماليات لا تقتصر على وصف لحاء الشجر، وأوراق الزهور، وأشكال الصخور، وصفاء السماء، ولون الشمس، بل تشمل أنواع الحشرات، وأشكال الطيور، وطباع الحيوانات، وطرق الصيد. حتى نخال أن (كالفينو) يصطحبنا في بعض قصصه إلى الغابات، حيث نرى الأشجار العملاقة، والصيادين وهم يطاردون الأيائل والغزلان. كما يصطحبنا في نزهة إلى البحر، حيث نغوص عميقاً ونرى الأسماك: (اكتشفت أنها لم يسبق لها أن رأت سمكة حزينة هكذا، ها هي ذي تمرر أصابعها على فم السمكة، على جلدها، على ذيلها، وهاهي ذي ترى الآن أنه يظهر على الجلد الفضي ألوفاً من الكائنات البحرية التي تعيش كطفيليات في جسد السمكة).
يختار (كالفينو) أبطال قصصه من الشريحة الاجتماعية الوسطى، كما يكتب عن الفقراء، فيكتب عن حياتهم المتواضعة، وعن أحزانهم التي يعيشونها بصمت، وعن معاناتهم التي يريدون التخلص منها، ولكنهم يستسلمون لها بطمأنينة عندما يدركون أن مجابهة القدر والحظ ليس بمقدورهم.
كما أن نسبة كبيرة من أبطاله من الأطفال البؤساء، ولكن هؤلاء الأطفال يتجاوزون بؤسهم دون عسر، ويحاولون أن يعيشوا حياتهم بالفرح الذي يقدرون على صنعه، مهما كان ضئيلاً: (ثم مد يده ليمسك بالضفدعة، لكن ماريا شهقت، فقفزت الضفدعة في الماء، الآن ها هو ليبروز يبحث عنها تحت الماء).
ويكاد كل أبطال (كالفينو) أن يكونوا طيبين، ولا يفتقدون إلى البراءة، وحب اللهو والمرح. فحتى اللصوص في إحدى القصص لا يبدو على محيّاهم الشر، فهم يسرقون لأنهم مجرد فقراء لا يملكون المال: (إلا أن الأخير الذي كان قادراً على رفسه، انخرط يلعق الحلوى بدلاً من ذلك. ثم ضحك، كانت الحلوى قد غطت كل شيء، وجهه، قبعته، ربطة عنقه، ثم فر هارباً). وفي قصة أخرى يسلم اللص نفسه للشرطي لأنه لم يستطع البقاء في مخبئه هادئاً لأكثر من ساعتين بدون سجائر، أما الشرطي فلم يكن راغباً في اعتقاله، فلقد كان مستمتعاً في سرير المرأة التي زعمت أن اللص لم يختبئ عندها.
(كلمة أخيرة)
نشكر وزارة الثقافة على إدراج أسماء كتاب عالميين ضمن سلسلة (الأعمال الكاملة) فهي مبادر طيبة تستحق كل التقدير والاحترام.
ونرجو من الوزارة أن تصدر الأجزاء المتبقية من أعمال (إيتالو كالفينو).
كما نرجو أن نرى قريباً ـ ضمن هذه السلسة ـ أعمالاً أخرى لكتاب عالميين، كانت لهم إسهاماتهم البارزة في عالم القصة القصيرة
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق