التنمر
– بدأ طالب الصف السادس حسن يتظاهر يوميا بالمرض كي يتجنب الذهاب الى مدرسته، الأمر الذي جعل والديه يشكان بأمره.
وتقول والدته "لم يعد ولدي كما كان في السابق. كل يوم يتظاهر بالتعب أو الإعياء أو المرض ويبقى على سريره منطويا وفاقد الرغبة في التحدث حتى إلى الطبيب".
وبعد إلحاح والدته عليه "اعترف حسن" بأن بعض طلاب صفه "يضايقونه بتعليقات ساخرة ويطلقون عليه النكات ويقومون بتخويفه ويضربونه".
ولم تعلم والدته ما الذي يجب فعله في البداية وتقول "بعد أن استشرت الخبراء اكتشفت أن ابني يتعرض للتنمر".
والتنمر بحسب خبراء التربية هو مجموعة من التصرفات والأفعال التي يمارسها فئة من الطلاب أو الطالبات بشكل منظم تجاه طالب أو طالبة معهم في الصف أو في المدرسة ويكون ذلك من خلال عبارات وتصرفات وكلمات. وقد يأخذ التنمر شكل الإقصاء أو الإهمال، حيث ترفض مجموعة الرفاق في الصف أن تتحدث مع طفل ما وتقوم بعزله ورفضه.
والظاهرة خطيرة ومنتشرة في دول عديدة، منها، حسب تقارير إخبارية، اليابان، التي انتحر فيها سبعة أطفال في نهاية العام الماضي بسبب مضايقة زملائهم في المدرسة لهم.
ويقول الطفل حسن "هناك مجموعة من الطلبة في صفي يضايقونني باستمرار ويهددونني بالضرب إذا اشتكيت لأحد". ويضيف إن تلك المجموعة من الطلبة يضحكون على شكله "بسبب وزنه الزائد" ويسرقون منه طعامه ويضربونه في غرفة "الحمام أو خارج سور المدرسة أثناء عودته الى المنزل".
وتحاول والدة حسن الى اليوم معالجة الأثر الذي تركه هذا النوع من العنف بين الطلبة على نفس حسن. "أحاول أن أجعله ينخرط في الأنشطة ويخرج من عزلته" إلا أنها تخشى أن يؤثر هذا الأمر على مستقبله بشكل عام.
ويبين اختصاصي علم التربية د. توفيق أبو الرقب أن العنف بين الأطفال المسمى بالتنمر أو BULLYING منتشر كثيرا بين الأطفال ويحدث في معظم المدارس حول العالم. ويشير أن البحوث الأخيرة في بريطانيا وجدت انه يحدث في 25% في المدارس الابتدائية و10% في المدارس الثانوية. وعلى هذا الأساس في كل مدرسة من مدارس بريطانيا يوجد ما يسمى anti-bullying program أي برنامج خاصة هدفه محاربة هذه الظاهرة.
وتقول الباحثة الاجتماعية ومختصة علم التربية د. نجوى عارف أن من يقوم بفعل التنمر ومن يقع عليه الفعل كلاهما يعاني من مشكلة نفسية اجتماعية واضطراب في الشخصية.
أما الأسباب الذي يدفع الطالب للاستقواء على آخر أو إيذائه بحسب د. عارف هو محاولته التفريغ لما يتعرض له من عنف إما في المدرسة أو المنزل أو بسبب الإهمال الذي يتعرض له فيحاول إثبات وجوده عن طريق إيذاء الآخرين. وتضيف "كما أن رغبة الأطفال في الحصول على الشهرة وكسب شعبية بين الطلبة، وكذلك الغيرة، يجعلهم يتنمرون".
وتقول "هناك أشخاص ينجح عليهم فعل التنمر أو الاستقواء بسبب ضعف في شخصيتهم" إلا أن هناك طلبة يرفضون أن يكونوا "كبش الفداء".
ويبين مدير إدارة التعليم العام بوزارة التربية والتعليم محمد العكور إن التعليمات السارية تستخدم الأساليب الوقائية والعلاجية لتعديل سلوك الطلبة بشكل إيجابي ومقبول في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي. وأضاف أن الوزارة ترصد سلوكات الطلبة غير المقبولة وتوثقها لمعرفة مدى تكرارها بغية وضع خطط تربوية وقائية وعلاجية لمعالجتها.
وتتدرج تعليمات الانضباط المدرسي بالعقوبات وفقا لدرجة المخالفة، ويفيد العكور أنه في حال تكرار المخالفات ينذر الطالب المخالف بقرار من مدير المدرسة لتتصاعد العقوبة إذا لم يرتدع فينقل داخل المدارس في المديرية الواحدة، ثم ينقل خارج مدارس المديرية وعندما يصر هذا الطالب على ارتكاب مخالفاته، يخرج من التعليم حتى نهاية العام.
وقد لا تفيد هذه العقوبات في حال تم فعل التنمر لأنه يقع في الخفية بعيدا عن أنظار المعلمين والمشرفين.
يقول العكور "في هذه الحالة يأتي دور المرشد التربوي الذي من وظيفته متابعة أحوال الطلبة ومحاولة حل مشكلاتهم". ويضيف "في السابق لم يكن دور المرشد التربوي فعالا بسبب عدم توفر مختصين في هذا المجال إلا أن وزارة التربية تقوم اليوم بتعيين المختصين في هذا المجال" موضحا أن نسبة المدراس التي يتواجد فيها المرشد التربوي هو في ازدياد.
ويشير د. الرقب إلى أن السياسات التربوية في اغلب بلدان العالم ومنها سياسة التعليم في الأردن تسعى إلى تحسين المبدأ الديمقراطي في العمل التربوي. موضحا أنها "تتبنى مجمل النظريات الحديثة في مجال التربية الأسرية والتربوية المختلفة".
بيد أن ما يلحظه د. الرقب "على وجنات بعض الأطفال وعلى أجسادهم وانكسار معنوياتهم النفسية في البيت وفي المدرسة تعكس مدى العنف الذي يتعرض له الأطفال".
ويشير د. الرقب إلى دراسة حديثة أجراها مركز مكافحة أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية أخيرا في احدى البلدان العربية بينت نتائجها تعرض 21% من الأطفال للإيذاء بشكل دائم.
وكشفت الدراسة تفشي ظاهرة إيذاء الأطفال في هذا المجتمع بشكل عام، حيث اتضح ان 45% من الحالات يتعرضون لصورة من صور الإيذاء في حياتهم اليومية، حيث يحدث الإيذاء بصورة دائمة لـ 21% من الحالات، في حين يحدث لـ 24% أحيانا.
ويمثل الإيذاء النفسي أكثر أنواع الإيذاء تفشيا بنسبة 33.6% يليه الإيذاء البدني بنسبة 25.3% وغالبا ما يكون مصحوبا بإيذاء نفسي، يليه الإهمال بنسبة 23.9% واحتل الحرمان من المكافأة المادية أو المعنوية المرتبة الأولى من أنواع الإيذاء النفسي بنسبة 36% تليها نسبة الأطفال الذين يتعرضون للتهديد بالضرب 32% ثم السب بألفاظ قبيحة والتهكم بنسبة 21% .
وتؤكد د. عارف على النتائج السلبية التي تؤثر على الطرفين "المتنمر والمتنمر به" وتوضح "أن من يمارس هذا النوع من الاستقواء والتنمر سوف يفقد صداقات كثيرة وقد يصبح مشروعا لمجرم مستقبلي عدائي، في حين ان الضحية سوف يصبح إنسانا مهزوزا فاقد الثقة منطويا وقد يتحول ضد المجتمع ويصبح مجرما أو إرهابيا".
ويقول د. الرقب إن الطفل الذي يتعرض للتنمر ينمو لديه الشعور بالعجز والنبذ، الأمر الذي يؤدي به الى مقاومة الذهاب الى المدرسة، وقد يتظاهر بالمرض من اجل ذلك.
وتنصح د. عارف أن لا تشجع الأم طفلها على الهروب من المشكلة بنقله من المدرسة وتقول "يجب على الأم والأب أن تشجع ابنها على مواجهة مشكلاته".
وتزيد "إذا شعرت الأم أن ابنها يتعرض للمضايقة بسبب مظهره عليها أن تخبره أن لكل إنسان عيوبا وأن تذكر له حسناته وتطلب منه أن يدافع عن نفسه بالرد بطريقة أدبية".
وتنصح الأم أن تقيم حفلة في منزلها تدعو فيها الأطفال الذين يضايقون ابنها وفي حال شعرت الأم أن طفلها يغرق في المشكلة ولا يمكنه حلها بسبب البيئة عليها نقله من المدرسة.
وتقول "إذا شعرت الأم أو تلقت شكوى من مدرسته أو زملائه بأن ابنها يتنمر على طفل ما عليها ألا تسكت على الموضوع". وتضيف "يجب أن تبحث الأم في السبب الذي يدفع ابنها للتصرف بعدوانية على اختلاف أنواعه".
وتبين د. عارف أن الأهل أحيانا يشجعون الطفل مثل هذه التصرفات "كثيرا ما يحصل في البيوت أن يطلب الأب من ابنه الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات أن يقول لأمه (أنت دبه أو ناصحة) كسبيل المداعبة".
كما لا يجوز على الأم أو الأب استخدام الألفاظ البذيئة عن الناس أمام الأطفال وتعطي
د. عارف على ذلك مثالا وتقول "كأن تكون الأم بسيارتها مع أطفالها ويأتي طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة وتقول أمام الأطفال ابتعد عن زجاج السيارة حتى لا تتسخ أو أن تقول انظروا الى هذا (المكرسح)!" .
ولحل هذه المشكلة تنصح د. عارف أن تحاول الأم إشراك الطفل في أنشطة جماعية مثل المسرح أو فريق القدم وغيرها.
ويقول د. الرقب على الاباء والأمهات ان يكونوا قريبين جدا من أبنائهم وبناتهم سواء كانوا في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية، وأن يدعوهم بكل تلقائية يتحدثون يوميا عن أخبار يومهم الدراسي وسيسمعون من بعضهم الكثير من الخفايا التي تحدث في مدارسهم وفي صفوفهم بعيدا عن التعليم وبعيدا عن أعين المدرسين والمدرسات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق